خطبتا صلاة الجمعة - الشيخ علي حسن

تمتاز صلاة الجمعة عن سواها من الصلوات بالتشريع الإلهي باستبدال ركعتين منها بخطبتين، وما ذاك إلا للأهمية التي يُفترض بإمام الجمعة أن يوليها لمضمون الخطبتين، وضرورة حرص المصلين على تلقي المعرفة الإيمانية والروحية والأخلاقية والفكرية والسياسية والاجتماعية والتربوية من خلالهما في صورة عصارة لأهم ما يمس حياتهم، وخلاصة ما مرّ عليهم خلال أسبوعهم المنصرم.
موعظة وموقف:
وقد روى الحر العاملي في وسائل الشيعة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في بيان معالم الخطبتين قوله: (إنما جُعلت الخطبة يوم الجمعة لأن الجمعة مشهدٌ عام، فأراد أن يكون للأمير سببٌ إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق من الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة... وإنما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزوجل، والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء، ولما يريد أن يعلِّمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد).
وبالتالي فمن المهم أن تراعى الأطر العامة لخطبتي صلاة الجمعة كما وردت في الحديث السابق، وهو ما استرسل في بيانه الإمام الخميني رحمه الله بعبارة جلية في هذا المضمون حيث قال: (ينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار سيّما قطره، عالماً بمصالح الإسلام والمسلمين، شجاعاً لا يلومه في الله لومة لائم، صريحاً في إظهار الحق وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظروف.. أن يذكر في ضمن خطبته ما هو من مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال الّتي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، وما يحتاج المسلمون إليه في المعاش والمعاد، والأمور السياسيّة والاقتصاديّة ممّا هي دخيلة في استقلالهم وكيانهم، وكيفيّة معاملتهم مع سائر الملل، والتحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في أمورهم، سيّما السياسيّة والاقتصاديّة، المنجرّ إلى استعمارهم واستثمارهم. وبالجملة: الجمعة وخطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين كسائر المواقف العظيمة، مثل الحجّ والمواقف الّتي فيه والعيدين وغيرها، ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسيّة فيها وفي غيرها من المواقف السياسيّة الإسلاميّة).
نقد بنّاء:
وليس بالضرورة أن تكون الخطبة الثانية مجرّحة وناقدة بالصورة التي قد تستدعي بعض النتائج السلبية كما قد يتوهم البعض، فالحديث فيما يهم أمور الناس ويعالج قضاياهم الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية وبما يرد على الشبهات ممكن دون الدخول في المحذور السابق الذي قد يكبّل أيدي البعض عن الانطلاق في الخطبة.
كما وأن تناول هذه القضايا بالصورة المتزنة يمثل سبيلاً لمعرفة كلمة الإسلام والموقف الشرعي منها، لاسيما ونحن نعيش في الكويت مساحة من الحرية تمكننا من ذلك إذا استفدنا منها بحكمة، أما الانعزال عن تلك القضايا والعزوف عنها فيمثّل خسارة على أكثر من صعيد.
مقومات الخطبة الناجحة:
ومن الواضح أن طرح هذه القضايا تستدعي من الخطيب عدة أمور منها:
1. متابعة دائمة للتحديات الفكرية والأخلاقية المستجدة ومعالجتها بالأسلوب الأمثل بعيداً عن الانفعال.
2. متابعة حثيثة لأحداث الساعة على المستويين المحلي والدولي، خبراً وتحليلاً.
3. تنويع مصادر المطالعة في المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية والتربوية والنفسية.
4. الاستئناس بآراء أهل الاختصاص في المجالات المختلفة.
5. تجنب طرح القضايا النظرية البحتة، أو البعيدة عن اهتمام الناس، أو المعالجات غير الواقعية.
6. عدم الاستغراق في القضايا التاريخية بصورة تُبقي التاريخ ماضياً لا ينطلق منه الإنسان لدراسة واقعه ومعالجة أوضاعه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) يوسف:111.
لا للسب والإهانة:
يأتي كل هذا مع التأكيد على ضرورة الابتعاد عن طرح ما من شأنه أن يبث الفتنة ويحرّض على الفرقة، وذلك من خلال الالتزام بالقاعدة القرآنية : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام:108. وقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: (إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَأهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ).
تفاعل وتعاون:
ومن جانب آخر فإنني أدعو الإخوة المصلين في المساجد لأن يتعاونوا مع أئمة المساجد في هذا الشأن، وأن يتواصلوا معهم في بيان قضايا الساعة، وما يهم الناس، وأن يحثّوهم على معالجتها بالصورة السليمة، كما وأدعوهم إلى إعطاء الأهمية لحضور الخطبتين وللاستماع إليهما، فعن محمد بن مسلم عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن الصادق عليه السلام أنه قال: (إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ الإمام من خطبته).
وأخيراً أقول أن تنوع وسائل الإعلام وتبادل المعلومات ويسرها ومساحة الحرية يحمّلنا مسؤولية توظيفها لنشر خطب الجمعة ذات العطاء المسؤول، وعدم حصرها بين جدران المسجد، وذلك لتعميم الفائدة، وأدعو الفضائيات على وجه الخصوص للاهتمام بنقلها بشكل أفضل مما هو عليه الآن.