أسس المعرفة الإيمانية

عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام: (وجدتُ علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربَّك، الثانية: أن تعرف ما صنع بك، الثالثة: أن تعرف ما أراد منك، الرابعة: أن تعرف ما يُخرجك عن دينك).
يلخّص هذا الحديث مواقع المعرفة الدينيّة التي من خلالها يعمّق المسلم معرفته العقيدية، ويقوّي علاقته بربه وبدينه. ومن جهة أخرى فإن هذا الحديث يمثل بمضمونه أساساً لمنهج تربوي تعليمي ديني.
النقطة الأولى:
معرفة الله في آفاق عظمته، وفي حقائق الألوهيّة التوحيديّة التي يكتشفها الإنسان من خلال ما خلق الله، ومن خلال صفات الله، ليتأكّد الإيمان به في كلِّ موقع من مواقع الوجود، وليستيقن الإنسان أن الله مهيمن هيمنة مطلقة على كلِّ شئ، ليكون الله حاضراً في وعي الإنسان في كل شئ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران:190-191.
النقطة الثانية:
الإحساس الدائم بالنعمة الواسعة التي تتسع باتساع الكون (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20، كي لا يصل الإنسان إلى ما حذرت منه الآية ضمنياً حيث قال: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ). ولكي يبقى مشدوداً إلى الله في كلِّ شي‏ء، من خلال الإدراك المستمر بالحاجة المطلقة إلى الله، وبالتالي يدفعه ذلك للبحث عن أفضل السبل التي تربطه من ناحية عمليّة بمواقع الشكر.
النقطة الثالثة:
وتتمثل في معرفة الشريعة في القضايا العامة والخاصّة المرتبطة بحياته، ليتعرّف من خلال ذلك ما هي أوامر الله ونواهيه. ونحن نعرف أن ما شرّعه الله لنا إنما يصب في المصلحة الفردية أو العامة، ومثاله ما في الحديث عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام حيث سئل: (لم حرم الله الخمر والميتة ولحم الخنزير والدم؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده، وأحل لهم ما وراء ذلك، من رغبةٍ فيما أحل لهم، ولا زهدٍ فيما حرّمه عليهم، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله لهم، وأباحه لهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه، ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنُه إلا به).
النقطة الرابعة:
وبما أن المسلم معرّض لموجات من التضليل أو الانحراف بفعل التيارات الفكريّة المتنوّعة التي تختلف عن الفكر الإسلاميّ في الجذور أو في بعض التفاصيل، لا سيما إذا قُدِّمت بطريقةٍ مدروسة مضلٍّلة، بحيث يختلط فيها الحقّ بالباطل من حيث الصورة، فيقع الاشتباه والانحراف، هنا تأتي المعرفة الخاصة بكشف هذه الانحرافات والتضليلات من أجل صيانة المسلم من ذلك. (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) الزمر:18.
إن إغفال التربية الإسلاميّة لاستكمال هذه العناصر من المعرفة في تربية الأجيال الإسلاميّة، قد يكون مسؤولاً عن كثير من حالات الاهتزاز العقيدي، أو الانحراف الفكري، لفقدان الخطّ الفاصل بين الحقِّ والباطل، ولابتعاد الإنسان في وعيه لله بالصورة المتقدمة، أو في محدوديّة معرفته بالإسلام في شريعته، وهذا جانب مما أراد الإمام موسى الكاظم بيانه في هذا الحديث المختصر من واقع تحمله لمسؤولية هداية الأمة على طول الأجيال المتعاقبة.