في رحاب زين العابدين - عمار كاظم

إمامة علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام للأمة الإسلامية بعد أبيه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام لم تأت لمجرد كونه وريث أبيه وأنه البقية من ولده، وإنما جاءت إمامته للأمة من خلال تعليمات رسالة لله تعالى في هذا المضمار، الرسالة الإسلامية التي تبنت تسميته اماما للأمة لحكم إلهية ولمواصفات ومؤهلات متوفرة فيه دون سواء من الخلق في عصره. والرسالة بدورها أبلغت أتباعها بذلك الاصطفاء بتصريحات وأوامر ومرتكزات فكرية وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الأبرار الطاهرين من بعده.
تلقى الإمام زين العابدين عليه السلام التربية الإسلامية الرائعة التي صنعت شخصيته الكريمة بجميع جوانبها، فجعلت منه تجسيدا حيا لرسالة الله تعالى في الفكر والعمل والمتبنيات، فالاعداد المركز الذي وفره بيت الرسالة للإمام وفر لكيانه الروحي سموا لذلك كانت عبادته وتقربه إلى الله تعالى وانشداده إليه سبحانه أمراً عظيما. شهد المسجد النبوي الشريف ودار الإمام زين العابدين عليه السلام نشاطا فكريا استقطب طلاب المعرفة الاسلامية في جميع حقولها حتى استطاع أن يخلق نواة مدرسة فكرية لها طابعها ومعالمها المميزة، وتخرج منها قمم فكرية وقادة رأي ورواة ومحدثون وفقهاء، وقد نجح الإمام عليه السلام في تكريس ذكرى واقعة الطف لخدمة الرسالة من خلال الأحياء الدائم لها وكان يحض أتباعه على إحيائها ووعيها نفسيا حتى أصبحت ذكرى الامام الحسين عليه السلام من أهم الوسائل التي أفاد منها الإمام السجاد عليه السلام في فضح السياسة الطاغوتية طوال حياة أبيه واستمرت هذه الذكرى سلاحا بيد المستضعفين في وجه المستكبرين والمنحرفين حتى وقتنا الحاضر وإلى ظهور المهدي عليه السلام.
الإمام زين العابدين عليه السلام ظل يتعامل مع قواعده الشعبية بالوسائل المتاحة والممكنة، فيعطف على الجماعات الضعيفة من الأمة ويخفف عن الآلالم والمتاعب ويرفع المشقة عنهم بالميسور من الإمكانات وقد أبدى الإمام اهتماما متزايدا بالأمة فرسخ علاقته بها وعمق تعامله مع أوسع قطاعاتها فكان الأب الرحيم والقائد الحكيم الحريص على علاج أدوائها طوال أيام إمامته، فكانت اهتماماته عليه السلام بفئات الأمة المختلفة واندماجه بها وعيش مشاكلها ووضع الحلول الممكنة لها ورفع الحيف عن كاهلها، كان لها الأثر الإيجابي الفعال في كسب الإمام عليه السلام لقاعدة شعبية عريضه استطاع من خلالها خلق الهيكل العام لمدرسة أهل البيت عليهم السلام والتي استكمل الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام فيما بعد بناءها وإنضاجها على الوجه الأكمل والأشمل، واستطاع عليه السلام من خلال تلك العملية البناءة أن يخلق رواة حفاظا وفقهاء وقادة فكر فيهم الصحابي والتابعي وسواهم.
علينا ونحن نستذكر ذكرى الإمام زين العابدين عليه السلام أن ندرس حياته دراسة شمولية على مستوى ملاحقة كل نتاجه العلمي والروحي والحركي في تحليل عميق دقيق وشامل الأمر الذي يفرض على الباحثين مواجهة هذه المسؤولية في تجارب متنوعة متعددة من أجل الوصول إلى معرفة عناصر هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة بعمق ووضوح وشمول.