مميزات ثورة الإمام الخميني ـ الشيخ علي حسن

لا يملك الإنسان المنصف أمام شخصية متميزة كشخصية السيد روحِ الله الخميني إلا أن يُبقي ذِكرَها نابضةً بالحياة، على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على رحيل ذلك الفقيه الرسالي.
ومن المعلوم أن أبرز محطة في حياة الإمام الخميني هي الثورة الإسلامية التي فجّرها وقادها بكل اقتدار. وإذا كان العالم قد شهد ثورات عديدة قبلها وبعدها، وإذا كانت بعض تلك الثورات قد شهدت قيادات بارزة، إلا أن لتلك الثورة بقيادته أبعاداً مميزة، لا انتقاصاً من قيمة ثورات الشعوب المستضعفة والمظلومة، ولكن في عملية مقارنة أهدف من خلالها بيان قيمة ما أنجزه الإمام الخميني من خلال قيادته. ومن تلك الامتيازات:
أولاً ـ الحفاظ على الأصالة في المنطلق والاستمرارية:
بعيداً عن الإرادة الاستكبارية ومخططاتها، على الرغم من كل الظروف والتحديات الهائلة التي تُخضع الجبال الشامخة.. ولكنها لم تخضع وصمدت. وكان الإمام الخميني هو الأساس في ضمان هذه الاستقامة وصمودها، وهو ما عجزت عنه كثير من الثورات، التي وإن انطلقت من إرادة الشعوب، إلا أنها سرعان ما تبتعد عن أصالتها وامتدادها من خلال عدة عوامل:
ـ فإما الوقوع في أحضان قيادات كانت أو غدت عميلة لهذه القوة الاستكبارية أو تلك.
ـ أو الاختطاف من قبل قيادات ذات توجهات حزبية ضيقة.
ـ أو الانحراف أمام أولى التحديات التي تواجهها.
ولم يكتف الإمام الخميني بالمحافظة على نزاهة الثورة واستقامة الدولة حال حياته، بل عمل على إيجاد المؤسسات، وبيان الضوابط الفكرية والشرعية التي من خلالها يضمن استمرار ذلك النهج بعد رحيله، الأمر الذي ما زالت إيران تدفع ضريبته الباهضة جداً على أصعدة عديدة.
ثانياً ـ رحابة الثورة إنسانياً:
فالإمام الخميني لم يحصر قضيته في إطارِ وطن، ولا في محيط قومية أو دين.. بل كان إنسانيَّ المنطلق.. إلهيَّ الغاية، ولذا انفتحت عليه شعوب العالم المقهورة، وتابعت ثورته بكل أمل، وتفاعلت معه بكل حرارة، ورأت فيه القيادة المخلّصة التي تستطيع أن ترسم لها معالم الخلاص من قهر الظلم ونير الاستضعاف. ومن عاش في تلك الفترة يدرك ما أقول.
ولولا الأيادي الاستكبارية الكثيرة التي عملت على تقطيع أواصر تلك العلاقة الجديدة التي بدأت تتشكل بين السيد الخميني وبين الشعوب المستضعفة من خلال مؤامرات حاكتها دوائر مخابراتية، ورصدت لها موازنات لا حد لها، وحرّكت عميلها المقبور صدام لإشغال الثورة الفتية في حرب طاحنة استمرت ثمان سنوات، لولا ذلك لربما كان الوضع مختلفاً بصورة كبيرة، ولكن كما قال رحمه الله في أول خطاب وجهه في هذا المجال: (أن الخير فيما وقع).
وهذه الميزة تفتقدها كثير من الثورات ومنها ثورات الربيع العربي، إذ انطلقت لتحقيق أهداف محدودة في إطار حدود الوطن، وهي بالتالي لا تمتلك تلك الرحابة، وإن كان لا يمكن إنكار تأثيرها الممتد.
ثالثاً ـ البعد الإسلامي الوحدوي في نهج الإمام الخميني:
فقد رفض كل تأطير مذهبي أو وطني أو قومي، فهو على الرغم من اعتزازه الكبير بكونه فقيهاً في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وبكونه قد قاد ثورته في وطنه، إلا أن ذلك كله لم يمثّل بالنسبة إليه عائقاً عن الانفتاح على كل المسلمين باختلاف مذاهبهم وباختلاف أوطانهم وقومياتهم، ولذلك عمل على الدفع بكل قوة نحو التقارب والتعايش بين المسلمين، وعلى توحيد صفوفهم في قضاياهم الكبرى، واعتبار القضية الفلسطينية هي قطب تلك القضايا.
هذه الميزة أيضاً تفتقدها كثير من الثورات التي تعيش هموم قضاياها الخاصة، بل سرعان ما تتبنى قضايا
طائفية أو قومية أو أيديولوجية ذات أفق ضيق فتخسر رصيدها الخارجي بدرجة كبيرة.
رابعاً ـ انطلاقة البعد الفكري والثقافي والروحي للثورة:
فحركة الإمام الخميني لم تكن ثورة حركية سياسية فقط، بل كانت ثورة فكرية وثقافية وروحية أيضاً، إذ لم تكن المسألة بالنسبة إليه مجرد قلب واقع سياسي، بل تغيير واقع فكري وثقافي ومعنوي بعيد عن الإسلام.. ولذا عمل هو والمفكرون من حوله على النهوض بهذا البُعد من الثورة كأولوية من الأولويات.
لهذا كله ولسواه مما لا يسع المجال لذكره نستطيع القول أن عالمنا الراهن عاش منذ انطلاقة ثورة الإمام الخميني في محطة سياسية وحضارية مختلفة جذرياً عن محطات التاريخ السابقة. لقد كان لإخلاص تلك الشيبة المباركة لله سبحانه، ولشجاعة ذلك الفقيه الكبير ولزهده وبصيرته الدور الأكبر في تحقيق ذلك، إذ استطاع أن يصدم العالم كله بالإسلام، ليدخل الإسلام إلى كل عقل وقلب، وأن يجعله شيئاً علمياً وعملياً، بعد أن كان الإسلام يعيش الانكماش في الواقع السياسي والثقافي في العالم.