أحكام البنوك ـ 9 - المرجع الديني الشيخ محمد إسحق الفياض

ذكرنا فيما سبق خمسة بدائل للمعاملات البنكية: (المضاربة، الوكالة، الجعالة، بيع السَّلَم، الشركة) أما البديل السادس فهو: تحويل القرض في البنوك والمصارف إلى البيع، فيخرج بذلك عن كونه ربويا. فالبنك بدلا عن أن يقرض مائة دينار مثلا لعميله بمائة وعشرة إلى ستة اشهر، يبيع المائة عليه بمائة وعشرة إلى ستة اشهر، ولا يكون في ذلك ربا.
بيان ذلك: ان الأوراق النقدية المالية بما انها لا تكون من الذهب والفضة، ولا انها نائبة عنهما لكي تكون محكومة بحكمهما، ولا من المكيل والموزون، فلذلك لا تعتبر المساواة بين الثمن والمثمن منها مع أنها معتبرة في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، كما انها معتبرة في بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون، وعلى هذا فلا مانع من بيع تلك الأوراق نقدا بأزيد منها في الذمة مؤجلا، كما إذا اشترى شخص عشرين دينارا خارجيا مثلا بخمسة وعشرين دينارا كليا في الذمة إلى ثلاثة أشهر. هذا وهنا اشكالان:
1. انه قرض واقعا ولكنه البس ثوب البيع؛ لان المعتبر في البيع المغايرة بين الثمن والمثمن ولا مغايرة في المقام.
والجواب: انه يكفي في صدق البيع عرفا المغايرة الناشئة من كون المثمن عينا خارجية والثمن امرا كليا في الذمة، و مجرد كون الثمن منطبقا على المثمن في الخارج، لا ينافي المغايرة بينهما الناشئة من كون أحدهما كليا في الذمة والاخر عينا خارجية، والمفروض في المقام ان الثمن هو الكلي الثابت في الذمة، لا خصوص الحصة المنطبقة منه على المثمن في الخارج، لكي يقال إنه لا مغايرة بينهما، ومن هنا لا اشكال عرفا في صدق البيع على بيع الشيء القيمي الخارجي بجنسه الكلي في الذمة بزيادة، كبيع فرس معين خارجا بفرسين في الذمة إلى اجل محدد فإنه منصوص، وهذا يدل على أن هذا المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع.
2. ان القرض بمقتضى الارتكاز العقلائي تبديل المال المثلي الخارجي بمثلة في الذمة، فيصدق عنوان القرض عرفا على كل معاملة تتكفل لهذا التبديل ولو كان المنشأ فيها عنوان التمليك بعوض، ولا يريد العرف من كلمة القرض الا المعاملة التي تؤدي إلى ذلك النحو من التبديل.
والجواب: الظاهر أن الامر ليس كذلك، فان المرتكز لدى العرف العام، ان صدق عنوان البيع أو القرض أو غيره من المعاملات منوط بكون المنشأ فيه عن جد مفهومه، فإن كان مفهوم البيع كان بيعا وليس بقرض ولا غيره، وان كان مفهوم القرض فهو قرض وليس ببيع ولا غيره، وهكذا.
وبالتالي فإن مفهوم القرض يتوقف على كون المال المقترض مثليا خارجيا، فإنه إذا كان كذلك وقصد تضمينه بمثله في الذمة من دون لحاظ كون أحدهما ثمنا والآخر مثمنا فهو قرض، ومفهوم البيع لا يتوقف على ذلك؛ فإنه عبارة عن تمليك عين بعوض وان لم تكن العين أو العوض موجودة في الخارج، فإذا قصد تمليك مائة دينار خارجي مثلا بمائة وعشرة دنانير كلية في الذمة إلى ستة اشهر بجعل أحدهما ثمنا والآخر مثمنا كان بيعا، ولا يصدق عليه عنوان القرض. ويتلخص: انه لا مانع من صحة بيع الأوراق النقدية الشخصية بالكلي منها في الذمة، كبيع ألف دينار مثلا نقدا بألف وخمسين دينار في الذمة إلى أجل معين، فإنه لا يصدق على ذلك عنوان القرض، على أساس انه لوحظ أحدهما ثمنا و الآخر مثمنا وقصد المعاوضة بينهما، وعلى هذا فبامكان كل من البنك والعميل تحويل القرض في البنوك بالبيع، فيخرج بذلك عن النظام التقليدي الربوي.