الثبات كمعيار للتقييم - الشيخ علي حسن

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) إبراهيم:27-28.
الثبات على الموقف في ظل تضارب المصالح وتبادل الأدوار في الحياة من أصعب الأمور التي تواجه الإنسان العامل في الساحة السياسية أو الاجتماعية، كما أنها من أهم معايير التقييم للمصداقية في القول والعمل، ومن أوضح سبل انكشاف النوايا الخبيئة.. تلك النوايا والأعمال التي قد تبدّل نعمة الله، وتودي بالمجتمع إلى دار البوار كما ذكرت الآية الشريفة.
القضية الفلسطينية المنسية:
القضية الفلسطينية في بعديها الإنساني والديني تعود مجدداً لتفرض نفسها على الرغم من التغييب الإعلامي العربي، فخلال ست سنوات من الحصار المفروض على قطاع غزة بشعبه المكون من مليون ونصف، الأمر الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، مع سكوت عالمي ـ بل وتأييد أحياناً ـ لاستمرار هذا الوضع، في ظل ذلك استطاع هذا الشعب أن يكيف نفسه مع ظروف الحصار، ولكن الأمور لا تزداد إلا سوءً وبصورة تفوق الوصف. وقد كتب الدكتور فهمي هويدي قبل أيام عن صور رهيبة من معاناة شعب قطاع غزة، حيث تحدث عن وصول الأمر ذروته بتوقف محطات توليد الكهرباء عن العمل قبل أسبوعين، ثم أعيد تشغيل بعضها جزئياً بوقود مهرب عبر الأنفاق قدّمته الحكومة المصرية. والتوقف عن توليد الكهرباء يعني التأثير على توفير المياه وعمل المستشفيات وغير ذلك.. وحتى الحكومة هناك اجتمعت على أضواء الشموع!
هذا كله يضاف إلى المعاناة المستمرة في توفير الغذاء والاحتياجات الطبية ومستلزمات البناء وغير ذلك.
موقف الحكومة المصرية:
الغريب في الأمر موقف حكومة ما بعد الثورة المصرية مما يجرى فى غزة، ذلك أن الأوضاع التي كانت تُنتقد من قبل وتجري فيها تحركات على الأرض من أجل تخفيف الحصار ما زالت قائمة اليوم، في الوقت الذي يستمر فيه الغاز المصري أيضاً يتدفق بسعر رمزي إلى الكيان الصهيوني، لكى ينعم الإسرائيليون بالضوء وبالدفء، بينما أهل غزة يعيشون فى الظلام ويرتجفون من البرد.. كل هذا ونحن نعلم أن من كان يحرك الأجواء على عهد الرئيس المصري المخلوع يمتلكون الآن قوة برلمانية وامتداداً شعبياً يستطيعون من خلاله الضغط للمساهمة في تغيير الأوضاع القائمة في غزة، كون المنفذ المصري هو الوحيد الممكن حالياً.
تهديد المسجد الأقصى:
المشهد الآخر هو استمرارية التحرك الصهيوني ضد المقدسات الإسلامية، بما في ذلك تهديد المسجد الأقصى بصور مختلفة، مع تزايد الفتاوى الدينية اليهودية والتي تدعو إلى اقتحام المسجد وتقسيمه ومن ثم الشروع في بناء الهيكل. وقد تزايدت وتيرة الاعتداءات الصهيونية مؤخراً حتى اندلعت مواجهات عنيفة بين المصلين في المسجد الأقصى وبين الشرطة الإسرائيلية بعد أن هاجمت المصلين بالقنابل الصوتية والغازات المسيلة للدموع قبل أسبوعين.
من الواضح الصهاينة انتهزوا انشغال المنطقة بما يعرف بالربيع العربي، وزادوا من سرعة تنفيذ مخططاتهم في مختلف الاتجاهات، ففي خلال عام2011 وقع 893 اعتداء بحق الفلسطينيين، قتل فيها 118 شخصاً، وتم تنفيذ 535 عملية هدم لمنازل ومنشئات ومساجد، مع القيام بتنفيذ 474 موقعاً استيطانياً جديداً، والاستمرار في بناء الجدار العازل.
موقف مجلس الأمة:
دور مجلس الأمة في الكويت مهم جداً في ضبط الأداء الحكومي في إطار القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما شهدناه في دورات سابقة، وتحملت الكويت ضغوطات خارجية هائلة ولكنها تجاوزتها في ذلك الوقت، وبقي الموقف الرسمي ثابتاً.
أما اليوم فالمجلس بعيد كل البعد عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية بكل معطياتها الأخيرة في البعدين الإنساني والديني، وكأن كل ما كان يثار في السابق من خلال مظاهر الاحتجاج والمساعدات الإنسانية وتحريك القضية إعلامياً وبالسبل الأخرى إنما كانت توظَّف بهدف تحقيق مصالح معينة، لا الانتصار للقضايا من ناحية مبدئية.. ولما تحققت تلك المصالح تم تناسي القضية لتوضع في الأدراج، لعلها تحرّك من جديد متى ما تطلب الأمر ذلك.
هنا ندرك قيمة الثبات على الموقف ـ في الكويت وفي مصر ـ في ظل تضارب المصالح وتبادل الأدوار، وهنا تتضح أهمية كون الثبات معياراً لتقييم المصداقية وكشف النوايا.