قيمة العمل عند الإمام الصادق

عالج الإمام جعفر الصادق عليه السلام موضوع قيمة العمل وكسب الرزق في عهده حيث اختلطت المفاهيم، إذ اعتبر البعض أن الله سبحانه إنما خلق الإنسان ليعبده بالانقطاع إليه، وأن كل ما يشغل الإنسان عن هذا الانقطاع يمثّل تعارضاً مع الهدف من الخِلقة.
معالجتان:
هذا الخلل المفاهيمي استتبعه خلل سلوكي واجهه الإمام من ناحيتين:
1. المعالجة المفاهيمية: حيث أكّد على حكمة الموازنة في الحياة لكي لا يكون الإنسان مستغرقاً في طلب الرزق على حساب آخرته وحياته الاجتماعية، ولا مفرّطاً في أسباب ما اعتبره عزّاً للإنسان وتحقيقاً للحياة الكريمة فقال: (ليكن طلبُك للمعيشة فوق كسب المضيِّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، أنزِل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفّف، وترفّع بنفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتكسّب ما لابد منه للمؤمن).
2. المعالجة العملية وهو ما نلاحظه في المشاهد التالية:
ـ عن المعلّى بن خنيس قال: (رآني أبوعبدالله وقد تأخَّرتُ عن السوق، فقال لي: اغدُ إلى عزّك).
ـ وقال الإمام الصادق لشخص آخر: (ما لي أراك تركت غدوَّك إلى عِزّك؟! قال: جنازة أردتُ أن أحضرَها. قال: فلا تدع الرواح إلى عزّك).
ـ وعن أسباط بن سالم قال: (سأل أبو عبد الله عليه السلام يوماً وأنا عنده عن معاذ بيّاع الكرابيس ـ صنف من الأقمشة ـ فقيل: ترك التجارة. فقال: عملُ الشيطان عمل الشيطانُ، مَن ترك التجارة ذهب ثلثا عقلِه، أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قدمت عير من الشام فاشترى منها واتّجر فربح فيها ما قضى دينه). ويتبيّن من نصٍّ آخر أن الإمام واجه معاذاً هذا في مناسبة أخرى وقال له: (لا تتركها، فإنَّ تركها مذهبة للعقل، اسعَ على عيالك، وإياك أن يكونوا هم السعاة عليك).
ـ وسأل عن رجل من أصحابه فقال عليه السلام: (ما حبسه عن الحج؟ فقيل: ترك التجارة وقلّ شيئه، فاستوى الإمام جالساً وكان متكئاً، ثم قال: لا تدعوا التجارة فتهونوا، اتّجروا بارك الله لكم).
وقد كان الإمام الصادق حريصاً على أن يعمل بنفسه في أكثر من مجال ليكون في مواطن رضا الله، وليحقق العز الذي يترفّع من خلاله عما في أيدي الناس، قال أبو عمر الشيباني: (رأيت أبا عبد الله الصادق وبيده مسحاة يعمل في حائط له والعرق يتصبب، فقلت: جُعلت فداك أعطني أُكفِك، فقال لي: إنّي أحبّ أن يتأذّى الرجل بِحرِّ الشمس في طلب المعيشة). وكان يقول: (إنّي لأعمل في بعض ضياعي، وإنّ لي مَن يكفيني، ليعلم اللّه عزّ وجلّ أني أطلب الرزق الحلال).