المطلَّقة بين الشرع والقانون - الشيخ علي حسن

انعقد في الأسبوع الماضي في الكويت المؤتمر الأول ليوم المرأة العالمي المقام من قبل تجمع تواصي الإسلامي الوطني، وكان محور المؤتمر في اليوم الثاني حول حقوق المطلقة بين العرف والشرع والقانون. وحسناً فعلن الأخوات القائمات على التجمع بتفعيل المناسبات الإسلامية كمولد السيدة الزهراء عليها السلام بجعلها محطات لتحريك قضايا الواقع بما يخدم المجتمع، وعدم الاقتصار على قراءة الماضي، والبكاء على أطلاله.
ومن خلال الأوراق التي قدمت والنقاشات الجانبية يتأكد وجود فجوة ما بين الرأي القانوني في بعض القضايا مع الرأي الشرعي، وفجوة أخرى ما بين الفرد وبين الرأي الشرعي. والمشكلة لا تتوقف عند حد الوقوع في الإثم بمخالفة الحكم الشرعي، كي يفكر الإنسان بالتوبة والاستغفار للتخلص من التبعات، بل هي ذات آثار وضعية أيضاً، قد تترتب عليها أحياناً بعض الآثار الاجتماعية الكارثية على مستوى الأفراد. ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك:
طلاق الحاكم:
هناك نوع من الطلاق يعرف بعنوان طلاق الحاكم، وهو في الفقه الجعفري يعني أن يقوم المجتهد بتطليق المرأة من زوجها لأسباب محدودة جداً، لأن الأصل أن العلاقة الزوجية تستمر، وأن الطلاق بيد الزوج نفسه، وهذا هو الوضع الطبيعي، أما عندما يقوم شخص آخر كأب الزوج (الولي) أو الحاكم الشرعي بالتطليق فهذا يعتبر حالة استثنائية ويُلجأ إليها في بعض الموادر الضرورية والاستثنائية.
من هذه الحالات الاستثنائية رفض الزوج الإنفاق على زوجته وهو قادر على ذلك، حتى مع إجبار الحاكم الشرعي له، وحينها يأمره الحاكم بتطليق زوجته، فإنْ رفض، يتدخل الحاكم الشرعي بنفسه فيطلقها طلاقاً بائناً لا يستطيع الزوج خلال عدة هذا الطلاق أن يرجع إليه زوجته. وإذا أراد إرجاعها فلابد له من عقد جديد برغبتها ومهر جديد. وتظهر المشكلة فيما لو لم يكن القاضي فقيهاً جعفرياً بلغ مستوى الاجتهاد، وحينها يقع طلاق الحاكم باطلاً ولغواً، وتبقى المرأة ـ شرعاً ـ على وضع الزوجية، وإن كانت من الناحية الرسمية مطلقة. فإذا ذهبت وتزوجت جهلاً منها بالمسألة بطل زواجها الثاني، وحرمت على زوجها الثاني حرمة مؤبدة. ولكم أن تتخيلوا اكتشافها لهذه الحقيقة الكارثية بعد عدة سنوات، وأثر ذلك على البناء المتولدين من هذا الزواج غير الشرعي.
تغيير المذهب صورياً:
المثال الآخر هو اللجوء إلى المحكمة غير الجعفرية في قضايا الأحوال الشخصية، من قبيل الطلاق والخلع وحضانة الطفل والنفقة وغير ذلك، فبعض المحامين يوجّهون الزوجة إلى مثل هذا الأمر على أن تُقسِم بأنها على مذهب أهل السنة والجماعة، باعتبار أن حكم القاضي هناك سيكون أسرع أو أيسر وأمثال ذلك من المبررات. فلو حدث ذلك فالحكم سيكون من الناحية الفقهية الجعفرية غير نافذ، لفقدان شرط صدوره من قبل فقيه جعفري، والمال الذي تأخذه المرأة بهذه الوسيلة قد يكون سحتاً، والحضانة قد تكون تصرفاً محرماً إلخ.
فسخ الزواج:
المثال الثالث الفسخ، والذي يعني إنهاء الحياة الزوجية دون طلاق، ويتحقق ذلك فيما لو كان هناك عيب قد أخفي في الزوجة أو الزوج عند العقد، فيعتبر الزواج حينها لاغياً إن أراد أحد الزوجين عدم المضي فيه. والعيوب محدودة وفق الرأي الفقهي المشهور. ولكن قد يقوم بعض المحامين بتشجيع أحد الطرفين على طلب الفسخ لعيب معين مقبول قانونياً مرفوض شرعياً، ويقع الفسخ وتذهب المرأة لتتزوج بعد ذلك، ثم تكتشف بعد سنوات أنها ما زالت على ذمة الأول من الناحية الشرعية.
الدقة في الاستفتاء:
وبالتالي فإن من المهم في البين هو الاطلاع على الرأي الفقهي لمرجع التقليد بدقة شديدة وبمراعاة الاحتياط في طرح الاستفتاء بحيث لا توجَّه الإجابة لتصب في مصلحتي، بل تُعرَض القضية كما هي، ليأتي الجواب الفقهي مطابقاً لواقع القضية. كما أنه لو صدر حكم قضائي غير مطابق للفتوى، فلابد من تصحيحه بمراجعة الحاكم الشرعي وعدم التهاون في ذلك.
التقوى صمام أمان:
المسألة الأخرى التي يجب الالتفات إليها هي واقع تخلي المتخاصمين عن التقوى عند حدوث أمثال هذه الخلافات سواء على الطلاق أو المواريث أو حق الحضانة وما إلى ذلك، فالزوج يكذب ويحضر إخوانه ليشهدوا زوراً بأنه ينفق وأنه يعاملها بالمعروف وما إلى ذلك.. والزوجة تكذب وتضخّم المشاكل بينه وبين زوجها لتنتقم منه أو لترضخه لسيطرتها.. وتجد أحياناً أن بعض المحامين يوجهون موكِّليهم إلى ذلك بغرض مادي بحت.
الوجه الآخر للمشكلة:
المسألة الثالثة هي عدم الاقتصار على البعد الشرعي عند السؤال عن مثل هذه القضايا، فهي قضايا اجتماعية قد يكون الحكم فيها بالإباحة لا الوجوب، وبالتالي فإنه عند الاستفتاء أو عند التفكير لابد من أخذ البعد الاجتماعي بعين الاعتبار.. أحد الأئمة عليهم السلام يُسأل عن حرمة شئ فيقول: (حلال إلا أنا أهل البيت نعافه).. فليس كل مباح يُفعل. ولذا من الضروري أيضاً التفكير في أثر ذلك القرار على الأطفال، وعلى سمعة الأسرة، وكيف سيرتب الإنسان مستقبل حياته، وهل الوضع القادم أفضل من الوضع القائم، وهل يتناسب هذا الموقف مع الأخلاق الرفيعة والقيم التي يتبناها، وما هي المواقف الأقرب لرضا الله.. وغير ذلك. وهذا يفرض أن لا يتوقف صاحب المشكلة عند حد معرفة الجواب الشرعي من المشايخ وعلماء الدين، وعدم الاحتجاج بامتلاك فتوى في البين تؤيد موقفه، بل على المستفتي أن يطالب المشايخ والعلماء بإبداء الرأي بالجانب الآخر من الموضوع ومراعاته، وهو الجانب الداخل تحت عنوان (الحكمة)، تماماً كما نلحظه حاضراً مع عنوان التقوى ومراعاة الحكم الشرعي في الآية الكريمة: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة:231.